الأربعاء 01 أكتوبر 2014
يحتاج القادة الإستراتيجيون إلى فهم أدوات القوة الوطنية والسبل التي يمكنهم انتهاجها لتنفيذ الاستراتيجيات والسياسات. فهناك فهم جيد لاستخدام الدبلوماسية والقدرات العسكرية والمعلومات على المستوى الوطني، ولكن استخدامات القوة الاقتصادية، وبخاصة هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، جديرة بمزيد من الفهم.
فقد قال الرئيس المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد، رحمه الله: "إن العون والمساعدات الخارجية هي إحدى الركائز الأساسية لسياستنا الخارجية؛ لأننا نؤمن بأنه لا توجد أية فائدة حقيقية بالنسبة إلينا من الثروة التي لدينا إلا إذا وصلت إلى أيدي المحتاجين أيضاً، أينما كانوا، بغض النظر عن جنسياتهم أو معتقداتهم." وهكذا نجد أن المساعدات الخارجية كأداة من أدوات فن الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة تستحق التقدير.
إن القوة الاقتصادية الوطنية تعني تخصيص الموارد أو توزيع حصص السلع والخدمات لتعزيز المصالح الوطنية. وقد يتضمن استخدام القوة الاقتصادية الضغط الاقتصادي أو العقوبات الاقتصادية، وكذلك الحوافز الاقتصادية، مثل المساعدات والعلاقات التجارية الإيجابية. وعلى الرغم من أن الأداة الاقتصادية للسلطة الوطنية تقع جزئياً تحت سيطرة الحكومات، وأن قطاع الأعمال الخاص يمنح كثيراً من النفوذ الاقتصادي من خلال استثماراته الأجنبية، فإن القوة الاقتصادية بالنسبة إلى كثير من الدول هي الأداة الأكثر تأثيراً في فن الحكم.
تشمل المساعدات الخارجية أي نقل طوعي للموارد من بلد إلى آخر، ويمكن تقديم المساعدات كأمارة على الموافقة الدبلوماسية، لتعزيز الحلفاء، أو لمكافأة الحكومات الصديقة على سلوكها الداعم، أو لبسط النفوذ الثقافي، أو لتوفير البنية التحتية اللازمة لأسباب إنسانية، أو للحصول على أنواع أخرى من الفرص. وفي حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن الأسباب الرئيسية لتقديم المساعدات هي أسباب إنسانية وإيثارية.
لقد منحت دولة الإمارات العربية المتحدة مساعدات كبيرة لعدد من البلدان النامية، وكذلك كانت مساهماً رئيسياً في أعمال الإغاثة في حالات الطوارئ للمناطق المتضـررة من النزاعـات والكوارث الطبيعية.
وقد أشار مكتب تنسيق المساعدات الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة أن الدولة ساهمت في عام 2010 بقيمة 2.80 مليار درهم في البرامج الإنمائية والإنسانية في أكثر من 120 بلداً. ويعتبر الهلال الأحمر الوكالة الرئيسية التي تقدم المساعدات والإغاثة في دولة الإمارات. ففي عام 2010 أعطى الهلال الأحمر ما مجموعه 364.1 مليون درهم، وذلك بصورة رئيسية من أجل المشاريع الإنمائية والإنسانية. وتشمل منظمات الإغاثة الأخرى المؤثرة بدولة الإمارات دبي العطاء ومؤسسة زايد.
وتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً مساعدات لأجل التنمية. فقد قدم صندوق أبوظبي للتنمية منذ إنشائه نحو 13 مليار درهم إلى 207 مشروعات في 53 بلداً. في عام 2013، بلغت المساعدة الإنمائية الإجمالية التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة 18.7 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 375 % مقارنة بعام 2012. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات تقدم الكثير من المساعدات الإنمائية إلى الحكومات الوطنية، فإنها تساهم أيضاً بشكل كبير من خلال الوكالات الدولية. فقد أشارت وزارة المالية والصناعة بدولة الإمارات أنه تم تقديم أكثر من 100 مليار درهم من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على مدى الأربعين سنة الماضية.
وتقديراً لأهمية هذه الجهود، فقد أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة وزارة جديدة للتنمية والتعاون الدولي MICAD في عام 2013. وتعمل هذه الوزارة بالتعاون مع المنظمات المانحة لتعزيز مكانة دولة الإمارات كلاعب رئيسي في التنمية والتعاون الدوليين بين الجهات المانحة الدولية، وتقترح أولويات المساعدة الأجنبية، وأعمال التطوير، والمساعدات الإنسانية، من قبل الإمارات العربية المتحدة.
وقد أسهمت وزارة التنمية والتعاون الدولي بالفعل في نشر الوعي بشأن دور دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها من المانحين، وتعزيز علاقات البلاد مع الجهات المانحة الدولية الأخرى، كما قامت بتمثيل دولة الإمارات في هيئات المساعدات الدولية.
يقول النقاد إن تقديم المساعدات الدولية على نحو فعال أمر صعب؛ فأحياناً لا تصل المساعدات إلى أولئك الذين يحتاجون إليها بالفعل، كما يحدث نقصان في الأموال بسبب رسوم الدخول، وكذلك تضخم الأسعار والفساد، وهذا ما يجعل المنح ينطوي على كثير من التحديات. وعلى الرغم من إمكانية نقل المساعدات بسرعة، فإن اختلاف الأنظمة العقائدية والخلفيات الثقافية واللغات يزيد من التعقيدات أمام تسليمها. ولكن المساعدات تعتبر منقذة لحياة من يحتاجون إليها.
وليس ثمة ريب في أن الإمارات يمكن أن تمارس كثيراً من "القوة الناعمة" من خلال المساعدات؛ حيث تضرب المثل والقدوة وتتخذ موقفاً يتماشى مع قيمها. وفي هذا السياق فإن التركيز في تسليم المساعدات على من هم في أشد الحاجة إليها يعد مثالاً قوياً على الرحمة الإماراتية وأداة قوية من أدوات فن الحكم في أيدي قادة الوطن.