الأحد 01 نوفمبر 2015
يتطلب تحقيق الرؤية الوطنية أمناً فعالاً في عصرنا المعقد. ولكن إدارة السلطة والنفوذ في النظام الدولي سوف تؤدي للأسف إلى مخاطر وتحديات لابد من تذليلها دائماً والتغلب عليها في إطار تحقيق المصالح الوطنية. ولذلك فإن ثمة سمة واحدة تعد ضرورية في مسيرتنا المستقبلية تتمثل في الصمود الوطني. وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل من الدول الأكثر صموداً ومرونة في المنطقة، غير أن تحسين قدرتها على التكيف الاستراتيجي سيسهم في تعزيز الازدهار المتنامي خلال السنوات القادمة.
يعني الصمود "التكيف الإيجابي"، وهو عبارة عن استجابة مثمرة لوضع متأزم أو سلبي. وبالتالي فإن الصمود الوطني يعني قدرة البلاد على التعافي من أي تجربة سلبية تتعرض لها. وتشير الدراسات إلى أن هناك عوامل عدة تسهم في تعزيز قدرات المرء من بينها القدرة على وضع خطط واقعية واتخاذ الخطوات الضرورية لمتابعة تحقيقها، وامتلاك مفهوم ذاتي إيجابي وثقة في قوة المرء وقدراته، وإثبات المقدرة على حسن التواصل وحل المشكلات، والقدرة على إدارة الدوافع والمشاعر القوية. وعلى الرغم من أن هذه الصفات تخص الأفراد، فإن لها قيمة بالنسبة إلى الدول.
كان "الصمود" مصطلحاً شائعاً في عالم الأعمال، وقد أدى إلى نشوء عمليات مثل إدارة المخاطر، واستمرارية الأعمال، والتعافي من الكوارث، وأمن المعلومات. وقد ساهمت هذه التقنيات في صلابة الأداء التنظيمي في وجه الظروف غير متوقعة، كما كانت تعتبر عوامل أساسية في تأقلم الشركات مع عواقب الأحداث الطارئة وغير المتوقعة. وتمثل تلك العمليات أيضاً قيمة بالنسبة إلى الدول. وسوف يظل الاضطراب العالمي والإقليمي هو النموذج السائد لسنوات قادمة؛ ذلك أن التنافس وعدم الاستقرار والغموض غدت ثوابت في عالمنا المعاصر. وإذا شاءت الدول أن تحقق الازدهار في بيئة عصرنا الحالي التي يسودها الغموض الشديد، فلا مناص لها من أن تمر عبر نماذج الحكم التقليدية وأن ترسخ الصمود داخل كل كيان من كياناتها؛ فإن أفضل الخطط الإستراتيجية تتعثر عندما تواجهها المفاجآت ما لم تنجح آليات الحكم لدينا في تعزيز صمودها في مواجهة المصاعب والأزمات غير المتوقعة. وعلى الصعيد الوطني، ينبغي أن تكون المنشآت الرئيسية للبنية التحتية والمؤسسات المجتمعية قوية بما فيه الكفاية، وغير مثقلة مطلقاً بسبب القيود القانونية والتنظيمية، وذلك لكي تكون قادرة على الإسهام في خدمة المصلحة الوطنية في الأحوال العادية، وكذلك لتجاوز الأزمات والتعافي منها.
تعد المرونة والقدرة على الصمود موقفاً استباقياً ينطوي عل المبادرة والتصميم من أجل المحافظة على ازدهار المؤسسة أو الكيان (سواء كان دولة أو منطقة أو منظمة أو شخصاً) برغم التحديات غير المتوقعة التي لا مفر من ظهورها. إن الصمود الوطني يتجاوز حدود اتخاذ موقف دفاعي في الأمن والحماية، ويعمل على تحصين القدرة الذاتية للدولة على تحمل آثار الأزمات وإحباط الهجمات مهما كان نوعها وذلك بالمزيد من القوة الداخلية. وأخيراً وليس آخراً، فإن الصمود يعني تعزيز الوعي الذاتي والانتباه للمخاطر ونقاط الضعف والتحديات، والثقة في قدرات الأمة على التعامل معها، فضلاً عن القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية واعية في الاستجابة للتغيرات. وإن أي أمة تدرك فوائد هذه التقنيات ودورها في بناء الصمود والثبات تحظى بمزيد من الفرص لتحقيق الرخاء والازدهار على الرغم من التحديات المحتومة.
سوف تسهم رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في ضمان الأمن الاستراتيجي والازدهار للدولة من خلال توفير مسارات متوازية لتحقيق النجاح حتى في الأوقات المضطربة، وبالتالي تعزيز القدرة على الصمود. وقد عملت الحكومةأيضاً على ترسيخ الابتكار والقدرة على التكيف باعتبارهما من السمات الدالة على الفاعلية. وتعمل الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث تحت مظلة وإشراف المجلس الأعلى للأمن الوطني وتعتبر الجهة الوطنية الرئيسية المسؤولة عن وضع معايير وتقنين وتنسيق كافة الجهود المتعلقة بإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث ووضع خطة وطنية موحدة للاستجابة لحالات الطوارئ. وقد أثبتت التجارب الأخيرة لدولة الإمارات أيضاً وبشكل واضح، خلال هذا الشهر، وفي غمار الصراع الدائر في اليمن، تفاني قادة الأمة البالغ، والدرجة العالية من الصمود النفسي الذي أظهره المواطنون. سوف يسهم بناء نصب تذكاري في أبوظبي، للشهداء الإماراتيين الذين ضحوا بأرواحهم في القتال من أجل استعادة الاستقرار في اليمن، في تخليد ذكراهم وبقائها حية في قلوب الأجيال القادمة وتعزيز الصمود الوطني، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إجازة يوم الشهيد السنوية. وعلى الرغم من أنه ليس من شك في أن دولة الإمارات ستستمر في التعرض لتحديات مستقبلية، فقد تم إرساء جميع الخطط والإمكانات المطلوبة والكفيلة بدعم التنمية وتعزيزها. والدولة إذ تثمّن هذه التضحيات فإنها بحاجة إلى الاستشراف والمبادرة بشكل استباقي إلى التكيف، وتقوية عزيمتها في حال مواجهة تحديات مستقبلية، من أجل ضمان صمود أمننا القومي والمرونة في المضي قدماً نحو الأمام.