الخميس 01 أغسطس 2013
إن عــالم اليوم مكان معقد؛ فوجود هــذا العدد الهائل من العالقات العالمية الجديدة يجعل من الضروري فهم الانعكاسات الاستراتيجية لأي حدث عالمي أن نملك الآن أكثر من مجرد قدرة عاديــة على إصدار الحكم. ففي مثال مختصر واحد فحســب، نجــد أن القيام باختيارات جيدة بشــأن أمــن الماء والغذاء اليــوم في دولة الإمارات العربية المتحدة يتطلب من الشــخص فهماً للانعكاسات الأمنية للتجارة الدولية والطاقة المتجددة والجغرافيا والتركيبة السكانية، مع بعض النظــرة الثاقبة على الأقل في الابتكارات في مجال تكنولوجيا تحلية المياه؛ فالاستراتيجية والأمن الوطني ليسا شأنين بسيطين مطلقاً.
إن هذه الأمة محظوظة بأن قيض الله لها قيادات رشــيدة وخططاً استراتيجية متميزة قامت الحكومة بتطويرها لرســم الســبل القويمة للمســتقبل. ومع هذا فإنه ما تزال هناك حاجة إلى قاعدة معرفية متســعة باســتمرار، ومهارات التفكري النقدي القوي، وقدرة على تطبيق عمليات مجربة في أوقات الغموض وعدم الوضوح، من أجل تحقيق الرؤية الكريمة التي رسمتها القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
لقــد شــهد العالم منذ أواســط القرن الماضي نمواً هائلاً وتعــرض لتغيرات كبرى، فاســتخدام تكنولوجيــا الأقمار الصناعية والإنترنت والهواتف الخلوية ما هــي إلا ثلاث من الأمور العديدة التي غيرت العالم وحياتنا اليومية بطرق لم تكن متوقعة قبل حدوثها بعدة عقود. ومن الأرجح أن العقود القليلة القادمة ستكون أكثر ديناميكية وستأتي معها بتحديات جديدة وفرص غير متوقعة على حد سواء ستسهم أيضاً في تغيير حياتنا بطرق غير متوقعة أيضاً.
إن كلية الدفاع الوطني المؤسسة حديثاً لها رسالتها المتمثلة في تأهيل القادة من العسكريين والمدنيين على حد ســواء، وهي مصممة لتحسين مهاراتهم في تقييم التحديات الجديدة للأمن الوطنــي والإقليمي والدولي والتصدي لها، بحيث يســتطيع هؤلاء القادة امتلاك فهم أفضل لمتطلبات إدارة موارد الدولة والدفاع عن مصالحنا الوطنية. وقد ســلط المؤلف المرموق، نســيم نيكــولاس طالب – في كتابه الرائع "البجعة الســوداء: تداعيات الأحداث غير المتوقعة" – الضوء على الصعوبات في الاستعداد للأحداث النادرة التي يصعب التنبؤ بها والتي يمكن أن تهدد الأمن الوطنــي، ولكن حتى الأنشطة الروتينية جداً يمكن أن تكون لها آثار استراتيجية مدمرة إن لم نحسن فهمها تماماً.
إن أي وصفــة لتطويــر مزيد من المرونة داخل الدولة تتطلب مزيداً مــن الوعي بالقضايا – والأهم أيضاً – مزيداً من الفهم للطبيعة المتشابكة لمصادر القلق الاستراتيجية الوطنية. وسوف نقوم برعاية النقاش لبعض هذه القضايا الاستراتيجية الديناميكية التي يمكن أن يكون لها آثار كبرى في الأمن الوطني في الأعداد القادمة مــن "درع الوطن"، وبذلك فإننــا نهدف إلى زيادة الحوار، وتعميق الوعي، وتعزيز المصالح الوطنية.