الثلاثاء 01 نوفمبر 2016
تتطلب حماية المصالح الوطنية لأي دولة تطوير القدرات لكي تواجه أنواعاً عديدة من التحديات. وعلى الرغم من أن استخدام أدوات القوة الوطنية بصورة فعالة قد يكون أمراً معقداً تماماً، فإن الآثار المرغوبة التي تسعى الدول إلى تحقيقها تكون بسيطة تماماً في العادة؛ فإما أن تستخدم الدول القوة (عادة في الحرب) أو التهديد بالقوة لتجبر دولاً أخرى على الخضوع لإرادتها (الإكراه)، أو تتصالح مع الدول الأخرى على تحقيق أهداف مناسبة للطرفين (التراضي والمصالحة)، أو تستخدم الدول حوافز لإقناع الدول الأخرى بتنفيذ ما تريده منها طوعاً (الإقناع).
فعندما تسعى الدول لاستخدام الإكراه، فهي إما أن تردع خصومها عن إحداث أذى لها، أو أنها تجبر هؤلاء الخصوم على التصرف بالطريقة التي تريدها، سواء باستخدام القوة، أو التهديد باستخدام القوة. وفي حالة الردع يتمثل الهدف في الحفاظ على الوضع الراهن، وإقناع الدولة المعادية بالاستمرار في سلوكها الحالي. وعندما تسعى الدول للردع، تقوم أولاً بتهديد الخصوم بعقاب ممكن إن غيروا سلوكهم السلمي، فإذا لم تغير الدولة المعادية من سلوكها السلمي وحافظت عليه، كان الردع عند ذلك ناجحاً ولا يتم إيقاع العقاب بها، أما إن زادت الدولة المعادية من عدوانيتها فيتم عندها إنزال العقاب الذي جرى تهديدها به (من خلال القوة العسكرية، أو العقوبات الاقتصادية، أو إجراءات عقابية أخرى). وعندما تسعى دولة لإكراه دولة أخرى، يكون الهدف هو تغيير الوضع الراهن لإقناع العدو بتغيير سلوكه العدواني. وفي العادة توجه دولة ما تهديداً للدولة المعادية بعقوبة ممكنة إن ثابرت الدولة المستهدفة على سلوكها العدواني، فإذا أصبحت تلك الدولة المعادية أقل عدوانية فلا حاجة عندئذ إلى إنزال العقوبة بها، أما إذا لم تغير الدولة الأخرى سلوكها فيتم تنفيذ التهديد. ويمكن تنفيذ الإكراه من خلال إجراءات اقتصادية أو دبلوماسية، أو يمكن حتى إلجاء الدول إلى الشعور بالعار بواسطة الرأي العالمي.
ليس التراضي والمصالحة بالسهولة التي يبدو عليها حينما يكون الأمن الوطني في خطر؛ إذ ثمة شروط معينة مطلوبة عادة لأي مصالحة دائمة، وأهم هذه الشروط: مراعاة القانون الدولي عموماً، ونظام أو توازن قوى يمنع إحدى الدول من تجاهل القانون الدولي أو انتهاكه دون أن تنال جزاءها، وخير مثال على هذا نظام الوفاق الأوربي في القرن التاسع عشر، كما هو حال الأمم المتحدة في وقتنا الحالي. فمعظم الدول تسعى للمصالحة والتسوية حفاظاً على السلم عندما تكون القضايا غير مهمة نسبياً، ويمكن وصف المصالحة بمقولة الربح والخسارة التي يحصل فيها كلا الطرفين على بعض - وليس كل - ما يريدانه، وبالتالي فإن المصالحة لا تمثل دوماً الحل الأمثل.
أما الإقناع فهو يُعرف على نحو أكثر شيوعاً بالقوة الناعمة، وهو مصطلح وضعه "جوزيف ناي" من جامعة هارفارد ليصف قدرة دولة ما على جذب دول أخرى واستمالتها بدلاً من استعمال القوة، ولذلك فإن القوة الناعمة تشير إلى القدرة على تكوين أفضليات لدى دول أخرى من خلال الاستمالة والاستقطاب، وتشمل أكثر الأدوات شيوعاً للقوة الناعمة: الثقافة، والقيم، والرأي العام، وممارسة الضغط من خلال المنظمات المتعددة الجنسيات، وتقوم بعض الدول بالإقناع بشكل غير مباشر وبعضها الآخر بشكل مباشر، ولكن جميع الدول تنجح في هذا الإقناع إلى حد ما، وذلك حسب مواردها وصورتها على الصعيد الدولي.
ولكي ينجح أي من هذه الخيارات لا بد أن تكون الاتصالات بين الدول واضحة ومعروفة المصدر؛ إذ لا بد أن تدلل مصداقية الرسائل الصادرة من أي دولة على أنها تتمتع بالإرادة والقدرة على تنفيذ الإجراءات التي تتوعد بها. ويجب أن ترسل إشارات ورسائل بتهديدها إلى الدولة المستهدفة، وأن توضح أنها لن تنفذ التهديد إن أذعنت الدولة المستهدفة وامتثلت. كما يتعين على الدولة المستهدفة أيضاً أن ترسل إشارات بأنها ستمتثل (أو ترفض). ولهذا تعتبر عملية إرسال الرسائل والإشارات الوطنية فناً يتمتع بأهمية حاسمة في ضمان جميع آثار الأمن الوطني.
على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة برهنت على قدرتها على استخدام القوة بشكل واضح تماماً، فإن ثقافتنا الوطنية تولي أهمية للمصالحة والإقناع من خلال المحفزات، وبالتالي نجد أن التأثير الإنساني والثقافي لدولة الإمارات معروف جيداً حول العالم. وحينما نواجه التحديات في المستقبل، فإن استخدام الإمارات العربية المتحدة لتأثيرها ونفوذها بمهارة لتحقيق الإكراه والمصالحة والإقناع لن يؤدي إلى خدمة شعبها بشكل مستمر فحسب، بل سيسهم أيضاً في ضمان استقرار المنطقة.