التخطيط للفوز

يتطلب الفوز بالحروب المعقدة – وليس المعارك فحسب – وجود تأثيرات دائمة ومنتظمة تلائم السياق المتاح. وبهذا المعنى، يعتبر  «الفوز» عملية مستمرة يتم فيها السعي للحصول على ميزة نسبية. والتأثيرات المشتركة هي مزيج من التأثيرات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية (DIMES). وليس التخطيط للفوز بالأمر السهل، لكنه يجمع بين هذه التأثيرات التفاعلية.

 

لنأخذ مثلاً المأزق الأمني الكوري. في قمة الكوريتين في أبريل عام 2018، تحدث كيم جونغ أون عن تاريخ جديد من السلام والرخاء وتحسين العلاقات بين الكوريتين. إذا أخذنا هذا المستقبل في الاعتبار، فماذا ستكون استراتيجية كوريا الشمالية؟ لنفترض الغايات والطرائق والوسائل التالية على المستوى الاستراتيجي. وقد تم تعليم التأثيرات المرغوبة باللون الغامق؛ حيث يعزز بعضها البعض الآخر:

- التأثيرات الدبلوماسية: تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة للإقناع أو الإجبار على قبول كوريا الشمالية كدولة ذات سيادة، ولتحفيز النفوذ السياسي لكوريا الشمالية لإعادة توحيد كوريا.

- التأثيرات المعلوماتية: رؤية سردية وطنية بالاعتماد على الذات والتضحية بالقوة الرئيسة للحث على تحقيق السيطرة الاجتماعية، ولإقناع أو إجبار التأثيرات الدبلوماسية.

- التأثيرات العسكرية: القدرة على ردع القوى الخارجية والدفاع ضدها، وعلى إجبار التأثيرات الدبلوماسية أو إرغامها، وعلى ضمان التأثيرات الاقتصادية أو إرغامها، وعلى إجبار التأثيرات  الاجتماعية أو إرغامها.

- التأثيرات الاقتصادية: إصلاحات محلية لإقناع وتحفيز الاستثمار والتجارة والمساعدات الاقتصادية.

- التأثيرات الاجتماعية: الاستثنائية العرقية والولاء الشخصي لتأمين النظام ضد التخريب، وتحفيز القبول الخارجي.

تستخدم استراتيجيات بيونج يانج المواجهة والتعاون - الإقناع، والإجبار، والتحفيز، والردع، والدفاع، والإكراه. من الناحية التاريخية ، سعى الكوريون - الجنوبيون والشماليون - إلى إيجاد أية وسائل متاحة للسعي وراء السيادة بين القوى التدميرية، وبالتالي فمن الحكمة افتراض أن كوريا الشمالية تخطط للفوز بكل ميزة نسبية يمكن أن تحققها. ويستتبع ذلك أن التخطيط على المستوى التشغيلي سيتبع هذه الشروط:

- حملات إعلامية لتعزيز الاعتراف الدبلوماسي والنفوذ السياسي الخارجي والرقابة الداخلية.

- الأنشطة العسكرية التي تعزز الدبلوماسية وتؤدي إلى توليد الموارد المالية أو اجتذابها.

- الإصلاحات التي تنمي الاقتصاد وترفد السيطرة الاجتماعية.

 

هناك العديد من حالات الغموض، ويمكن للدعاية المحلية أن تأتي بنتائج عكسية في السوق الدولية أو تقنع بعض الجماهير من خلال المتصيدين الإلكترونيين عبر الإنترنت. إن وقف التجارب النووية والصواريخ يولد تأييداً عالمياً ضئيلاً، في حين تستمر العمليات غير المشروعة، وتنذر باحتمال نشوء معارضة عسكرية داخلية. ويمكن للاستثمار الأجنبي أو وسائل التواصل الاجتماعي أن يفضي إلى تدمير الأساطير الوطنية.

 

في ضوء هذه المخاطر، لا بد أن نتوقع مرونة في استراتيجية كوريا الشمالية. يمكن أن تكون كوريا الموحدة إطارًا آخر للمبادئ المبهمة أو كومنولث من نوع ما، ويمكن أن تتحول روأية بيونغ يانغ المحلية إلى نزاعات إقليمية كورية مع الصين واليابان، فالردع العسكري والدفاع لا يتطلبان أسلحة نووية؛ إذ سوف تتكيف الضوابط الاقتصادية والاجتماعية مع مرور الوقت مع تصورات التهديد.

على المستوى التكتيكي، ينبغي لنا أيضاً أن نتوقع مزيجاً من الطرائق والوسائل. أولاً، هناك التعهدات القديمة؛ مثل اتفاقات عام 1992 المتعلقة بنزع السلاح النووي والمصالحة والتي لم تتحقق. وثانياً، قد تكون الوعود الجديدة، مثل وقف إطلاق الصواريخ والتجارب النووية، دليلاً على بداية جديدة. ثالثاً، التكتيكات القديمة؛ مثل التعامل مع التنازلات المتبادلة بين كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة كخطوط أساسية للمساومة من أجل المزيد من مطالب كوريا الشمالية. رابعاً، التكتيكات الجديدة، مثل المخاطرة بالعودة غير المشروطة إلى معاهدة عدم الانتشار بالإضافة إلى ضماناتها النووية (عمليات تفتيش خاصة).

 

يضع المخططون الاستراتيجيون الأمنيون خططاً للفوز بمزايا نسبية، مثل السلام المشروط للمنافسة المشروعة. ولحماية الأمة، تقع على عاتق الخبراء الاستراتيجيين مسؤولية التحقق من عدم وجود نية وقدرات تدميرية، وهذا يتطلب التعرف على مجموعة كاملة من التأثيرات المشتركة وإعداد الخطط.