الخميس 01 يونيو 2017
في كتابه الشهير"الأمير"، كتب المؤرخ والسياسي الإيطالي، نيقولا ماكيافيللي يقول: "لا تحاول أن تفوز بالقوة بما يمكن الفوز به بالخداع". لذا ينبغي أن يكون القادة الوطنيون حذرين من استخدام منافسيهم للخداع، غير أنه يجدر بهم أن يتذكروا أيضاً أنه أداة مؤثرة في الشؤون الدولية.
ففي الوقت الذي يصدق فيه القول إن الضبابية والاحتكاك والفرص ستسهم في جعل العلاقات الدولية محيرة، يصح أيضاً القول إن ممارسي الفنون الاستراتيجية يمكنهم تسخير الخداع على نحو مفيد بطرق عديدة ليساعد على إنجاز أهدافهم الوطنية، وسوف تؤدي التعقيدات الناجمة إلى إرباك صناع القرار ومنح قادتنا مزايا عليهم؛ فبإمكان القادة الاستراتيجيين الذين يتمتعون بفكر خلاق وبالعزيمة أن يوجدوا تلك المزايا وأن يتقدموا خطوة على خصومهم باستخدام الخداع الاستراتيجي بشكل فعال.
يتطلب الأمن الفعال في عصرنا المعولم قدرة على تحليل عقلية الخصوم وتقييمها بشكل ناقد، فإخفاء أو حتى تمويه نوايا المرء على الآخرين يمكن أن يوفر مجالاً استراتيجياً حاسماً للمناورة. ولذلك فإن قدرة كل أمة على التصرف بشكل مخادع، بحيث تخفي عن قصدٍ أهدافها وأعمالها الحقيقية، أو التصرف بطرق الغرض منها إرباك الخصوم، يمكن أن تحقق مزايا وفوائد حقيقية. فمعظم الناس يفكرون بالخداع بالمعنى التكتيكي، ولكنه ينطبق بشكل فعال أيضاً على الصعيد الاستراتيجي. وبالإمكان جعل الخداع التكتيكي، من خلال استخدام التمويه أو الإخفاء كأمثلة، نموذجاً للخداع الاستراتيجي لإخفاء وحماية الأعمال الوطنية أيضاً. ومن خيرة الأمثلة على الخداع الاستراتيجي عملية “الحارس الشخصي”، وهي الأعمال الحربية الجماعية التي استغلها الحلفاء قبيل غزو أوربا الغربية في عام 1944.
كان القصد من خطة “الحارس الشخصي” تضليل القيادة العليا الألمانية فيما يتعلق بتوقيت غزو الحلفاء في فرنسا. وقد بدأ التخطيط للعملية في عام 1943 وتم إطلاع قادة الحلفاء الوطنيين في مؤتمر طهران في أواخر نوفمير، وعرف الألمان أن الحلفاء سيغزون أوربا، وكانت الأسئلة الأهم هي أين ومتى، ولذلك كان هدف عملية الحارس الشخصي ببساطة إقناع الألمان بأن الغزو سيحدث في وقت أبعد مما هو مخطط له وأنه سيحدث في منطقة با دو كاليه بفرنسا، وهذا كان منطقياً؛ لأنها كانت أقصر نقطة عبور في القنال الإنجليزي، وكانت أسرع طريق إلى داخل ألمانيا، الأمر الذي جعلها أيضاً أكثر الخيارات منطقية لتكون موقعاً للغزو.
ولخداع هتلر، استخدم الحلفاء تنظيمات خيالية، وعمليات وهمية، ومعلومات استخباراتية مضللة، وقاموا أيضاً عن قصد بتنفيذ قصف استراتيجي لتعزيز قصة با دو كاليه. وقد نجحت تلك الخدع، وفوجئ الألمان بعمليات الإنزال الفعلية، وأقنعت عملية “الحارس الشخصي” هتلر أيضاً بتأجيل إرسال التعزيزات من منطقة با دو كاليه لمدة سبعة أيام تقريباً، مما سمح للحلفاء بتحرير باريس من نورماندي والهجوم في وقت أقصر في قلب ألمانيا.
كتب صن تسو كلمات مشهورة يقول فيها: “تقوم جميع الحروب على الخدعة، ومن هنا فإننا عندما نكون قادرين على الهجوم، يجب أن نتظاهر بأننا لسنا قادرين، وعند استخدام قواتنا، يجب أن نبدو خاملين”. ما كان يقصده هو إبقاء الخصم في حالة من عدم التوازن، وبالتالي الحفاظ على زمام المبادرة. فمواجهة استراتيجية ستكون أبسط كثيراً بالنسبة لأي خصم إذا كانت كل الحقائق معروفة جيداً، ولذلك تستخدم جميع الدول بصورة عامة السرية والخدعة والردع لتحسين حظوظها في النجاح.
إن النظام العالمي معقد الآن، ويزداد ديناميكية مع مع مرور الوقت، وسوف تمثل إدارة الاستراتيجيات ضد التهديدات المحتملة والمتعددة اختباراً حتى لأفضل القادة الاستراتيجيين؛ لأنهم يبحثون عن الوضوح في غمرة الكثير من الفوضى والغموض في أرجاء المنطقة. وسوف تستمر صراعات القوى العالمية في التكيف باستخدام أدوات ووسائل جديدة، ولكن قدرة دولة الإمارات العربية المتحدة على تقييم وتقدير التهديدات المحتملة ستظل ناجحة ما دام قادتها حذرين من الخديعة، ويتمتعون بالقوة فيها كأداة لقوة الدولة. ويتعين على قادة الإمارات الاستمرار في إدارة الأخطار بشكل فعال في عالم شديد الغموض، وتحديد المصالح الوطنية الحقيقية للدول الأخرى، والاستفادة من كل ميزة متاحة لكي يعززوا قوتهم ونفوذهم على نحو أفضل، بما في ذلك الخدعة في عالم يسود فيه استخدامها.