الثلاثاء 08 أغسطس 2017
منذ ما يزيد على ربع قرن قامت قوات صدام حسين بغزو الكويت في 2 أغسطس 1990، ومن ثم ضمها كمحافظة عراقية بعد أيام قليلة من الاجتياح. وكان للغزو مدلولات كبيرة على البيئة الإقليمية والعالمية وليس من المبالغة أن الوطن العربي والإقليم ما يزالان يعانيان من أثار ذلك الحدث الأهم في تاريخ العرب منذ نكسة 1967، بل إن هزيمة حزيران زادت من درجة التضامن العربي. ولكن الاجتياح العراقي للكويت أصاب النظام العربي الإقليمي في مقتل ومفهوم الأمن العربي في الصميم.
ورغم أن الخلافات العربية-العربية كانت تعتري النظام العربي وتؤثر على العلاقات الرسمية بين الدول العربية إلا أن غزو الكويت خلق شرخا عميقا بين الشعوب التي ناصرت الكويت، وتلك التي بررت الغزو بدواعي القومية العربية. ومن دواعي السخرية أنه ليس هناك حدث في التاريخ العربي الحديث أساء إلى قضية العروبة مثل فاجعة غزو الكويت.
ولا حتى الصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل، وما تبعه من عزل مصر السادات من النظام العربي، أضر بقضية التضامن العربي مثل أزمة الكويت. واحسب أن توابع تلك الأزمة ما زالت تلقي بظلالها على الواقع العربي. فالقضية الفلسطينية، والتي هي بمثابة القضية المركزية للعرب، تأثرت سلبا من تداعيات الغزو. وقد اعتقدت القيادة الفلسطينية حينها بأن الغزو سيعزز من الموقع التفاوضي للعرب من اجل إجبار الولايات المتحدة للتعامل بجدية مع القضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية مقابل انسحاب عراقي من الكويت.
ولكن أتت الرياح بما لا تشتهيه السفن الفلسطينية. وخرج العراق من الحرب مدحورا ومضرجا بدمائه، وخرج معه الفلسطينيون بخسائر فادحة على المستوى السياسي وحتى الشخصي بالنسبة للجالية الفلسطينية في الكويت. وقد علق المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد على أنه من الخطأ على شعب يعيش تحت الاحتلال أن يؤيد أي احتلال. وفسرت تنازلات الفلسطينيين في أوسلو بأنها نتاج للخطأ التاريخي في الوقوف مع صدام حسين في الأزمة الكويتية. والحال الفلسطيني إلى يومنا هذا من سيئ إلى أسوأ دون أن يكون هناك بصيص أمل.
كما أصبح مفهوم الأمن العربي من أهم الضحايا للمغامرة التي قام بها صدام. فلقد كان النظام العربي الإقليمي قائم على الأمن المشترك لجميع الدول العربية وأن أي مساس بأمن دولة عربية هو تهديد لبقية الدول العربية. ولا شك أن مشاركة الدول العربية في الحروب العربية الإسرائيلية، حتى من غير دول المواجهة، لدليل على أهمية وفاعلية مفهوم الأمن العربي المشترك. وكان هذا المفهوم أساسا لاتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية.
وبعد غزو العراق للكويت وتحالف العرب ودول أجنبية لتحرير الكويت من قبضة صدام أصبح مفهوم الأمن العربي الجمعي من ذكريات الماضي. بل إن المفهوم قلب على رأسه حيث أن قوة دولة عربية قد تكون تهديدا لدولة أخرى. وكان لتوابع هذا الغزو حصار شديد على العراق استمر إلى ما يزيد على عقد من الزمن. وقد أنهك هذا الحصار قوى العراق وعطل ركنا مهما من أركان النظام العربي الإقليمي. وبعد أن شعرت واشنطن أن أمد الحصار استنفد فاعليته وبدأت القواعد السياسية للحصار تتأكل، قامت بغزو العراق وإسقاط النظام في بغداد.
ولم تستطع الولايات المتحدة السيطرة على العراق بعد الاحتلال وتكشف لواشنطن سوء تقدير «الخبراء» والذين روجوا إلى أن العراق سيكون سهلا وطيعا وأن المسألة ستأخذ شهورا لحسمها. وتكبدت الولايات المتحدة خسائر في المال والأرواح، ولكن اقل من الثمن الذي دفعه العراق والعراقيون بسبب الاجتياح والاحتلال الأميركي. وحتى الساعة، فان الكيان السياسي العراقي مهدد وواقع تحت النفوذ الإيراني.
ومن ضحايا الغزو الذي لا يزال يسود في المنطقة حتى يومنا هذا تغلل دول الجوار غير العربية في الشأن العربي وبكل جسارة. وأصبحت دول الجوار مثل تركيا، وإسرائيل وإيران أهم اللاعبين في الإقليم. وبسبب تعطل العراق ووقوعه تحت النفوذ الإيراني، أصبح الفضاء الجيوسياسي ممهدا للتأثير الإيراني من العراق إلى بلاد الشام وحوض البحر المتوسط غربا. وتعزز نفوذ إيران وتواجدها في لبنان بسبب حزب الله والذي تحول من مقاومة إسرائيل إلى أداة إيرانية في هذه المنطقة. وتصاعد التواجد الإيراني العسكري في سوريا مع استعار الحرب الأهلية والتي تدور رحاها منذ ست سنوات.
وكذلك الحال مع النفوذ التركي والذي يتعاظم يوما بعد يوم. وقد رأت تركيا الأردوغانية فرصة جيوسياسية سانحة لاستعادة مجدها في المنطقة العربية. وتحت عباءة الدين والديمقراطية والنجاح الاقتصادي شرعت في بسط نفوذها مستغلة الاضطرابات في بعض الدول العربية منذ 2011. ولعل التواجد العسكري التركي في قطر آخر تجليات هذا النفوذ الذي تتمتع به تركيا في المنطقة العربية.
وبالنسبة لإسرائيل فحدث ولا حرج. فقد استطاعت أن تحلب المنطقة العربية من كافة التنازلات السياسية من اعتراف وتطبيع دون دفع الكثير في المقابل. وازدادت شراسة في الاستيطان وهضم الحقوق الفلسطينية، بل وتدنيس المقدس دون وازع أو رادع. هذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم لتداعيات كارثة احتلال الكويت.