الإثنين 01 مايو 2017
احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة مركز الريادة في الابتكار مع دخول العالم في حقبة المعرفة. وتتطلب هذه الحقبة الجديدة – التي تتميز ببيئة تنافسية تأثرت بالعولمة والتطورات التقنية والاتصالات السريعة – أن تسلك القيادة مقاربات جديدة. ويحتاج القادة الوطنيون إلى استيعاب أساليب جديدة لتطبيق الاستراتيجيات، بما في ذلك كيفية التنفيذ أثناء الأزمات والصراعات وفترات التغيرات السريعة.
ويعتبر استخدام الدبلوماسية والاقتصاديات والقدرات العسكرية والمعلومات على الصعيد الوطني سهلاً من الناحية النظرية، غير أن التطبيق الاستراتيجي يبقى صعباً للغاية. فالضبابية والخيال والمصادفات تعيق تطبيق الخطط وتشوش الرسائل والإشارات، ويؤدي ذلك بالتالي إلى انهيار أي استراتيجية تعتمد على البرامج والرسائل الواضحة، الأمر الذي يؤدي إلى تفويت الفرص، بل إلى أسوأ من ذلك، وهو الإخفاق والفشل. أما التعقيدات فتؤدي إلى حدوث إرباك في كل شيء أثناء الصراعات، ولكن لحسن الحظ يستطيع القادة الاستراتيجيون - بفكرهم المبدع وتصميمهم - الثبات والتحمل برغم التحديات، ومن ثم تحقيق الفوز.
تتطور الأمم بطريقة ديناميكية مع مرور الوقت نتيجة للتفاعلات المعقدة بين الدول والقادة والقوى الاقتصادية والعوامل المجتمعية والعناصر الأخرى في البيئة الدولية. ويميل معظم المحللين إلى افتراض وجود علاقات خطية مباشرة وبسيطة نسبياً بين الدول، ولذلك تم استخدام أُطر استراتيجية على نحو متكرر لتطوير استراتيجيات مناسبة، ولكن – وللأسف - من شأن معظم هذه الاستراتيجيات أن تكون مبالغاً في تبسيطها وتفتقر إلى قيمة توضيحية أو تنبؤية. أما نظرية التعقيد – التي هي عبارة عن دراسة للأنظمة الديناميكية غير الخطية أو المباشرة – فيُتوقَّع أن تكون مقاربة مفاهيمية أكثر فائدة، تخفف من التقلبات الجوهرية في تفاعل الدول الحديثة.
وينطوي أي نظام معقد عموماً على أعداد ضخمة من العناصر الديناميكية المتفاعلة التي يمكن أن تسفر عنها عواقب ملموسة بصورة غير متكافئة. وعلى الرغم من إمكانية استجلاء هذه الأنظمة، فإنه نادراً ما يفضي مثل هذا التحليل إلى القدرة على التنبؤ؛ لأن أحوالاً عديدة تتعرض لتحول دائم، وهذا معناه أن من الصعب للغاية التوقع والتنبؤ، غير أن هذه الأنظمة أصبحت الآن مألوفة في الشؤون الدولية. وتقدم نظرية التعقيد العديد من الأفكار الثاقبة التي تنطوي على فائدة كبرى للقادة الوطنيين، كما توحي بأن السلوك المعقد جداً، والذي يصعب التنبؤ به غالباً، يمكن رغم ذلك أن يُبرز أنماطاً، والأهم من ذلك أنه يمكن إدارته من خلال قابلية التكيف وإدارة المعلومات الجيدة. وبدلاً عن استهلاك مقادير ضخمة من الموارد في استشراف المستقبل الذي يتعذر التنبؤ به، فقد أشار عدد كبير من الكتّاب إلى ضرورة أن تركز الأمم على المرونة والإبداع والابتكار استجابة لأهواء ونزعات البيئة الدولية. كذلك تدل نظرية التعقيد على أن القادة والمنظمات الذين يتمتعون بالاستعداد "على حافة الفوضى" بإمكانهم تمكين الدول من الازدهار بصورة أكثر نجاحاً في حقبة من التغير السريع؛ لأنهم يستطيعون استيعاب مثل هذه البيئة والعمل مع ذلك بفاعلية.
يعتبر التعقيد أكثر من مجرد طريقة للتفكير بالعالم، فهو أسلوب لحل المشكلات يمكن أن يساعد القادة الحاليين والمستقبليين على الاستفادة من التكنولوجيا والعولمة وتقلبات السوق والاختلاف الثقافي وربما كل شيء آخر. كما أن فهم التعقيد يمكن أن يساعدنا جميعاً على احتواء التحديات واستيعاب الفرص التي تواجهنا أثناء تقدمنا. ويذكر المدافعون أنه بالنظر إلى وجود هذا التعقيد المتأصل في عالمنا، تبقى الاستراتيجيات مهمة، غير أن قيمتها الرئيسية تكمن في الطرق التي يحددونها لإدارة التغيرات في هيكليات القوة والعلاقات الاقتصادية. ولعل هيكلة المؤسسات الحكومية على هيئة شبكات لامركزية وغير هرمية يعد مكوناً رئيسياً للتكيف مع هذه المقاربة، كما هو الحال مع تطوير بدائل استراتيجية، واستخدام اختبار الحماية ضد الاختراق الخارجي بخاصية "Red Teaming" وتطوير عمليات وإجراءات الموظفين التي يمكن أن يكون أداؤها جيداً حتى في الظروف الديناميكية جداً. وفي رأي القادة الوطنيين تتمثل القدرات الأساسية في الاعتماد على التعليم أو الخبرات لتطوير الحكمة في تحديد مسارات استراتيجية متعددة والحكم الذي يقضي بمعرفة متى ينبغي الحفاظ على المسار ومتى يتعين تغيييره، وذلك من أجل الاستفادة من فرصة عابرة أو مواجهة تهديد وشيك. ويتحقق هذا بتكلفة باهظة إن تم اكتسابه عن طريق الممارسة، لكن التعليم يوفر أسلوباً أقل واقعية، غير أنه أقل تكلفة بكثير، لتحسين تلك الحكمة أو الحكم.
إن تنفيذ استراتيجية ما يمثل تحدياً على الدوام، ولا ريب في أن النظام العالمي المتغير سيظل يمتحن دولة الإمارات العربية المتحدة، غير أن قدرتها على تقييم التهديدات المحتملة ستستمر في خدمتها إذا ما أثبت قادتها براعتهم في التعامل مع التعقيد. إن إدارة المخاطر في عالم غامض جداً وتطوير مقاربات يمكن تكييفها بفاعلية - بينما تستغل دول أخرى قوتها ونفوذها، في الوقت الذي يتم فيه التعامل مع التعقيدات الحتمية - يمكن أن يضمن بقاء دولة الإمارات تنعم بالرخاء والازدهار وبقادة مبدعين في مصاف الدول.